شاركنا
×

ناصر بن عبدالله بن ناصر المعولي

مطحنة الجود

يقول المثل القديم: “الضربة التي لا تقصم ظهرك تزيد من قوتك”، وفي عالم التجارة قد يتعرض أي مشروع للخسارة لسبب أو لآخر، وقد تكون الخسارة قاسية وتؤدي بأصحابها إلى فقدان الأمل والانسحاب، إلا أنها قد تكون للبعض الآخر بمثابة البوصلة التي تدل صاحبها على الاتجاه الصحيح سواءً بإعادة المحاولة من جديد وتلافي الأخطاء السابقة، أو تغيير المجال إلى نشاط تجاري آخر. فالتجارب أياً كانت نتائجها هي ثروة تراكمية تساعدك على تحقيق النجاحات والإنجازات في مراحل لاحقة.

بطل قصتنا التالية تعرَّض مشروعه الأول في مجال مقاولات البناء والتشييد للخسارة المالية مما اضطره لبيع بعض الممتلكات لسداد الديون التي تراكمت عليه، ولكنه لم يعرف اليأس أبدًا بل أسس مشروعه الثاني والذي يسير فيه الآن بخطى ثابتة.

ناصر بن عبدالله بن ناصر المعولي من سكان ولاية وادي المعاول، عمل لعدة سنوات موظفًا في القطاع الخاص، ثم استقال ليبدأ مشروعه الخاص. “بعد استقالتي افتتحت شركة لمقاولات البناء، وفي البداية حصلت على عدة مشاريع وكان العمل يسير بشكل جيد، ولكن لعدم توفر عدد كاف من العمال بالشركة بما يوازي المشاريع التي حصلت عليها في ذات الوقت حدثت عملية تأخير في إنجاز وتسليم المشاريع، ولعدم إلمامي بالإدارة المالية والمحاسبية السليمة زادت التكاليف ولم أستطع الوفاء بالتزاماتي تجاه أصحاب هذه المشاريع، وفي النهاية تعرضت لخسائر كثيرة اضطرتني لبيع قطع أراضي لسداد الديون، وإغلاق المشروع.

في هذه الفترة كنت قد انتسبت لعضوية مركز الزبير للمؤسسات الصغيرة، وهم أوضحوا لي أن سبب خسارتي هو كثرة المشاريع التي تحصلت عليها في آن واحد مع عدم توفر العمالة الكافية، وأرشدوني إلى أن الطريقة السليمة كانت قبول مشاريع تتناسب مع القدرة الإنتاجية للشركة والمرتبطة بعدد العمال والمعدات وغيرها، وحين الانتهاء منها يمكن التعاقد على مشاريع جديدة”.

لم يرغب ناصر بالعودة للعمل كموظف من جديد، وفي ذات الوقت لم يشأ مواصلة نشاط المقاولات الذي تسبب له بالخسارة المالية، فبدأ يبحث عن فكرة لمشروع جديد يعود به للعمل الحر. فغدا يذهب إلى السوق ويسجل أسماء الأنشطة المتواجدة من اللافتات التجارية بالمحلات ويراقب الأنشطة التي عليها إقبال كبير من الزبائن. وفي زيارة لسوق  إحدى الولايات شد انتباهه وجود إقبال كبير على مطحنة للحبوب، فراقت له فكرة افتتاح مطحنة في وادي المعاول، وبدأ عملية دراسة للسوق والمجال بشكل أكبر من حيث أبرز المنتجات الرائجة فيه وأسعارها والتكلفة التشغيلية المتوقعة وفرص نجاحه والاحتياجات الأولية له وغيرها، كما عرض الفكرة على استشاريي مركز الزبير للمؤسسات الصغيرة وشجعوه عليها، وبعد قرابة 9 شهور استقر ناصر على مشروعه الجديد.

يقول ناصر “في 1 أكتوبر 2014 افتتحت مشروعي الثاني “مطحنة  الجود” في وادي المعاول، وفي البداية وكأي مشروع صغير واجهتنا صعوبات عدة وكان أبرزها عدم تقبل المحلات للشراء مني أو حتى عرض المنتجات في محلاتهم وهذا الأمر واجهني مع التجار العمانيين والوافدين على حدٍ سواء، وهو ما دفعني إلى تعيين موظف ليساعدني في تسويق المنتجات وفعلا استطعنا فتح منافذ تسويقية جديدة، وكنت أتابع معه عمليات البيع أولًا بأول حيث كنت أرافقه بشكل يومي منذ الصباح، نزور أسواق الولايات المجاورة وفي آخر اليوم نقوم بتقييد السجلات الحسابية. في البداية كانت الإيرادات ضعيفة، ولكنها تحسنت مع الوقت”.

في نفس العام تقدم ناصر المعولي لبرنامج الدعم المباشر ولكن لم يحالفه التوفيق، ليعاود الكرة في عدة دورات لاحقة وهو على يقين بأنه سينجح وعليه المثابرة للوصول إلى أهدافه وفي عام 2017 تم قبول عضويته في البرنامج ليبدأ مرحلة تطويرية جديدة لمشروعه.

مواصلا سرد قصة مشروعه يقول المعولي: “بعد عدة شهور استقال موظف التسويق، فقمت بالاستعانة بأحد العاملين معي سابقًا في شركة المقاولات والتي ألغيت نشاطها في عام 2014 ونقلته للعمل في المطحنة في بداية المشروع، لنبدأ أنا وهو رحلاتنا اليومية لأسواق محافظتي مسقط وجنوب الباطنة وسوق ولاية السويق بشمال الباطنة، واستطعنا التعاقد مع منافذ بيع جديدة وصل عددها حاليًا إلى 130 منفذ، ولا زلنا نواصل عملنا مع وضع هدف الحصول على منافذ بيع جديدة باستمرار”.

ويضيف المعولي: “بالنسبة لعلاقتي بمركز الزبير للمؤسسات الصغيرة فهي علاقة قديمة بدأت منذ تأسيس المركز. وأنا أعتبر فوزي ببرنامج الدعم المباشر فرصة قيمة فتحت لي آفاق جديدة حيث قمنا بتحديث الشعار وتطبيقه على الأدوات المستخدمة بالمطحنة كمغلفات المنتجات، كما قمنا بشراء طابعة باركود لتسهيل عمليات التسويق في المحلات الكبيرة، وفي نفس الوقت نعمل على تحويل خط الإنتاج من يدوي إلى نصف آلي عبر إضافة جهازين مع إمكانية تحويله مستقبلا إلى نظام آلي بالكامل، كذلك قمنا بشراء باص وتجهيزه بالهوية التجارية للمشروع وهو ما ساعدنا في زيادة حجم البضاعة الموزعة يوميًا على المحلات، ونعمل حاليًا على تطوير نظام المحاسبة بالشركة”.

يؤمن ناصر المعولي بأن التفرغ التام للمشروع من أبرز عوامل النجاح، وهو مقتنع بأن السوق يحتوي على فرص كثيرة لمختلف المشاريع التجارية التي تبحث عن من يقتنصها شريطة دراسة السوق جيدًا واختيار الأفكار المتفردة. يختتم المعولي :”إن تفرد الفكرة والتفرغ التام للمشروع من أهم أسباب نجاحه، وتفرد الفكرة لا يعني بالضرورة أن المشروع غير مسبوق، ولكنه يتميز عن غيره من المشاريع المشابهة في جوانب معينة كطبيعة السوق وحجم الإنتاج وجودة التعبئة والتغليف وغيرها، إضافة إلى ضمان جودة الخدمة وبناء علاقة ثقة مع العميل”.